جۆری توێژینهوه : Original Article
نوسهر
قسم اللغة العربیة، کلیة التربیة للعلوم الإنسانیة، جامعة الأنبار،
پوخته
یقدم البحث رؤیةً وقراءةً جدیدتین فی موقف الجرجانی من الحقیقة مقابل المجاز، فقد قرّر الجرجانی بادئ ذی بدء أن المجاز أبداً أبلغُ من الحقیقة، من هنا کان منطلقُ البحث لیجد تفسیراً ملائماً ومبرراً لقوله هذا، وما یترتب عن هذا الحکم البلاغی الخطیر، لما له علاقةٌ وطیدة ببلاغة القرآن ذلک النص الذی یحمل بین دفتیه شتى أنواع الکلام من الحقیقة والمجاز، فإن کان الحکمُ على ما یرى الجرجانی فإن ذلک یعنی أن النص القرآنی یفضُلُ بعضُه بعضاً، وهذا أمرٌ خطیر، لکن ما تبیّن أنّ الجرجانی کان قد أثبت أن لا أفضلیة لمجازٍ على حقیقةٍ من طبیعة جنس الکلام ولکن الأفضلیة تنبع من النظم الذی یمثّل جوهر الفکر البلاغی الجرجانی، فلا حقیقةَ ولا وجودَ لشیءٍ بلیغٍ خارج النظم الذی یعطی الشرعیةَ للألفاظ المفردة بأن تکون کلاماً منتظماً وعلیه المعوَّل ومنه یُکتَسَبُ الفضل وتُحدَّدُ أبلغیةُ النص. ولقد تناول البحثُ فی طیّاته معنى الأبلغیةِ عند الجرجانی لنکتشف أن الأبلغیةَ تعنی فیما تعنیه الإبلاغُ والإیصال والإفهام، أی أن المجاز حینما فَضُلَ الحقیقةَ قد تفوّق علیها لیس من وجهةٍ بلاغیةٍ بل إبلاغیة فی قدرته على إیصال المعنى بطریقٍ أجمل. لکن الأفضلیةَ والبلاغة لا تنبع من کون المجاز مجازاً بل من کونه نُظِمَ على قوانین النظم، أی من جهة الإثبات ( الطریقة ) کما یسمیها الجرجانی لا من جهة المثبت، أی لیس من جهة کونه مجازاً، وکذا الحال بالنسبة للحقیقة، التی یمکن أن تتفوق على المجاز إذا ما روعی فیها النظم. لقد عمل الجرجانی جاهداً على جعل النظم المرکز الذی تدور فی أفلاکه هوامش اللغة من الألفاظ لتصبح متوناً فاعلةً ذات سلطة ولتخرج من غیاهب العدم إلى حقیقة الوجود. وقد أسلم الجرجانی النظمَ سلطةً مطلقةً وجعل حُسْنَ المِزِیَّةِ بیده ولا شیءَ تراه یروقک ویعجبُکَ إلا وقد کان بسبب النظم، فالجرجانی یجعل مزیة الکلام أو فساده راجعةً إلى النظم ولیس شیئاً غیره.
إن الشعریة التی یبحث فیها هذا البحث لا تقابل مصطلح الشعریة الحدیث الذی یعنی علم الشعر، وإنما تعنی التفوق والجمال والاختلاف الذی یحدث فی النص لیجعله مختلفاً وبلیغاً. لذلک نجد أن الجرجانی یعبر دائماً عن هذه المعانی بمصطلحاتٍ ترادف وتشیر إلى هذه المعانی، ومن تلک المصطلحات: الإیناس، الرَّوْح، الرَّواق، البهجة، الخفّة والحُسْن وغیرها کثیرٌ حفلت به کتبُ الجرجانی، فتلمُّسُ مصطلح الشعریة عند الجرجانی لا یأتی من مکانٍ واحدٍ أو مصطلحٍ واحد بل من مصطلحاتٍ عدة، الشعریةُ عند الجرجانی منظومة من المصطلحات والمفاهیم یدخلُ النظمُ مؤسساً لها ولما یحویه من مفاهیمَ یمکنُ أن توصلَ إلیها.